من أسرار الكتابة
من أسرار الكتابة
بقلم/ سامي كمال الدين:
سأل ستوري آلين -السكرتير الدائم للأكاديمية السويدية التي تمنح جائزة نوبل- نجيب محفوظ: لماذا تكتب؟!
أجاب ضاحكًا: لأن بناتي يطلبن شراء حذاء بكعب عال!
«إنني أجد سعادتي في الكتابة، فالكتابة بالنسبة لي ليست وظيفة أتكسب منها، وإنما هي مهنتي التي أحيا من أجلها، لقد أمضيت أنا ومجموعة من زملائي سنوات نكتب دون أن يلتفت إلينا أحد، ولأن بعض زملائي كانوا ينتظرون أن يأتيهم المال والنجاح، فقد تركوا الكتابة حين لم يأت أي منهما، أما أنا فقد كنت أجد سعادتي في الكتابة ذاتها وليس فيما يمكن أن تأتي به، لذلك ظللت أكتب بلا مقابل لسنوات، وأتمنى أن أستمر في الكتابة حتى آخر أيامي، فأنا لا أتصور أن أحرم من تلك المتعة التي لا حياة لي بدونها».
يروي محمد سلماوي القصة في كتابه «في حضرة نجيب محفوظ» الصادر عن الدار المصرية اللبنانية.
ظل سلماوي يلتقي نجيب محفوظ في بيته كل يوم سبت لمدة ١٢ عامًا، منذ تعرض محفوظ لمحاولة اغتيال في أكتوبر عام ١٩٩٤، تسببت له في عجز يده اليُمنى، فتوقف عن الكتابة، ومن ثم توقف عن كتابة مقاله الأسبوعي في جريدة الأهرام، لذا طلب من رئاسة تحرير الأهرام أن يجري سلماوي حديثًا معه كل أسبوع بدلًا من مقاله الأسبوعي ويتم صياغته وينشر بشكل أسبوعي.
قبل ذلك بأعوام وتحديدًا عام ١٩٨٨ طلب نجيب محفوظ من محمد سلماوي أن يكون ممثله الشخصي في احتفالات نوبل في السويد، وأن يلقي الخطاب أو الكلمة التي أعدها بهذه المناسبة بدلًا منه لأن نجيب لا يسافر خارج مصر، بل لا يغادر بيته إلا للقاء الأصدقاء في مواعيد محددة لا تتغير مثل بندول الساعة.
مساء كل يوم أحد يلتقي بعدد من الأصدقاء في فندق شيبرد، منهم الدكتور محمد الكفراوي وعلي سالم وإبراهيم عبد العزيز وغيرهم، ومساء يوم الثلاثاء يلتقي عبد الرحمن الأبنودي، جمال الغيطاني، يوسف القعيد وغيرهم في باخرة «فرح بوت» على النيل، أما يوم الجمعة فقد خصصه للقاء مع الشباب من مريديه يرتبه د. يحيى الرخاوي، وفي يوم الخميس يلتقي شلة الحرافيش في منزل المخرج توفيق صالح، التي كانت تضم الفنان أحمد مظهر، عادل كامل، محمد عفيفي، أمين الذهبي، أحمد زكي مخلوف، وذهب إليها بعض المرات صلاح جاهين، مصطفى محمود، أحمد بهاء الدين، لويس عوض، جميل شفيق.
ويوم السبت يلتقي محمد سلماوي السادسة مساء في بيته في حي العجوزة على نيل القاهرة، وهو نفس اليوم الذي حدد لي فيه نجيب محفوظ عدة مواعيد في سنواته الأخيرة، كنت ألتقيه لأجري معه أحاديث صحفية، وكان كل موعد يكون يوم سبت الساعة السابعة مساء، وذات يوم بل في أول موعد جئت فيه مبكرًا فالتقاني محمد سلماوي على الباب واندهش من أن نجيب حدد موعدًا لطالب في الجامعة ليُجري معه حديثًا صحفيًا..!
اندهش سلماوي من أن نجيب محفوظ لا يقابل أحدًا إلا يوم السبت، فكلما اتصلت شخصية سياسية أو مسؤول بسلماوي -كان محفوظ يسميه وزير الخارجية- يريد لقاء نجيب محفوظ.. كان محفوظ يقول له: «هاته معاك وأنت جاي يوم السبت»، ومن هذه الشخصيات: رئيس وزراء إسبانيا خوسيه ماريا أثنار، باولو كويللو، نادين جورديمر الحائزة على جائزة نوبل، أحمد زويل، محمد حسنين هيكل، ياسر عرفات، السفير الفرنسي في القاهرة.
كان يرفض أن يذهب لمقابلة أحد، ليس غرورًا أو كبرًا، لكنه لم يكن يستطيع تغيير برنامجه أو جدول أيامه المرتب بدقة مهما كان الضيف أو الشخصية التي تريد أن تقابله!
طلب ستوري آلين من نجيب محفوظ أن يسافر للسويد لتسلم الجائزة.. فكان ردّه: «في سن الشباب لم أكن أهوى السفر، أما الآن فسني لا يسمح لي بالسفر».
بل قال له محفوظ ضاحكًا: «ألم يكن من الأسهل طالما أنك تفضلت بالحضور إلى القاهرة أن تحضر معك الجائزة؟!»
فرد ستوري: «جائزة نوبل لا تُسلّم إلا من يد الملك».
أناب نجيب سلماوي لتسلم الجائزة بدلًا منه في ستوكهولم.
يحكي سلماوي عن لقاء كاتبين حاصلين على نوبل من إفريقيا: نادين جورديمر من جنوب إفريقيا ونجيب محفوظ من شمال إفريقيا، حيث زارته في بيته وكتبت له إهداء على رواية لها «إلى نجيب محفوظ تقديرًا لعظمته، وحبًا وعرفانًا بالنور والسعادة التي أدخلتهما في نفسي قراءاتي لأعماله».
#سامي_كمال_الدين