مقالات

قطار منتصف الليل

لعب الدراما والسينما دورًا لا يستطيع أحد إنكاره في التأثير في المجتمعات، ففيلم «ميدنايت إكسبريس» الذي أشارت له كاثرين براننج في كتابها «شاي تركي من فضلك».. حيث تقول: «في الواقع نحن -الغربيين- جهلاء بشؤون السياسة، ولا سيما ما يتعلق بالأتراك، فبعد مرور أعوام من ترسخ صورة الأتراك المُرعبين الذين يدقون أبواب فيينا والتأثير المشين الذي تركه فيلم «ميدنايت إكسبريس» جعلني هذا النص أبحث عن فيلم Midnight Express

شاهدت الفيلم الذي تم إنتاجه عام 1978، ويتناول قصة الشاب الأمريكي بيلي هايز الذي قرر تهريب مُخدر الحشيش من تركيا إلى أمريكا، تم القبض عليه قبل صعوده إلى الطائرة، صدر حكم بحبسه 4 سنوات على ذمة القضية التي صدر حكمها النهائي بالسجن 30 عامًا، صنفت القضية على أنها تهريب مُخدرات وليست حيازة مخدرات، وتناول الفيلم معاناته الشديدة داخل السجن في تركيا ومحاولته الهرب وتعذيبه قبل أن يتم إيداعه عنبر مستشفى المجانين.

ويعرض الفيلم صورة الصراع بين نظرة الأمريكي إلى تركيا ونظرة التركي إلى أمريكا، الفيلم مأخوذ عن قصة حقيقية ل «بيللي هايز» الذي يحاول الهروب من سرداب في السجن فيفشل، ثم يدخل مستشفى المجانين ويقدم رشوة للضابط المشرف على تعذيبه، فيقوم الضابط بتعذيبه أكثر، يقتل الضابط، يرتدي ملابسه، يهرب من السجن ويعبر الحدود إلى اليونان ثم يصل إلى أمريكا عام 1975.

لعب دور «بيلي هايز» براد ديفيز كتب له السيناريو أوليفر ستون عن قصة كتبها « بيلي هايز» وأخرجه آلان باركر.

من الأدوار المُهمة في العمل دور الإيطالي «بولو بونشيللي» الذي قدم أدوارًا مهمةً مثل دوره في فيلم «سالو» مع بازوليني، لعب دور السجين الأناني المُحتال الذي يُبلغ عن زملائه في السجن ليعرضهم لأشد أنواع العقاب. يلعب الدور المحوري في انتقال بيلي من السجن إلى عنبر المرضى النفسيين، بعد انتقامه منه وقتله ونزع لسانه من فمه بفمه.

هذا الفيلم الذي ناقش فضيلة الحرية وأنها الأهم للإنسان أساء لتركيا وصورتها في الغرب، ترى مؤلفة كتاب «شاي تركي من فضلك» أن هذا الفيلم ضمن الأفكار الخاطئة المأخوذة عن الأتراك، وأنها موروثة وبالية مستمدة من مشاعر التحيز والخوف.

في مجتمع -صحيح أن الديانة الرئيسية فيه هي الإسلام- لكن أصحاب كل الديانات الأخرى يمارسون عباداتهم بحرية منذ أيام السلاجقة.. حيث تنتشر الكنائس والمعابد اليهودية في أنحاء تركيا في حرية العبادة لكل الأديان.

«وفي عالم اليوم الذي ما زالت النساء يواجهن فيه نفس التحديات الخاصة بقضايا المساواة والاستقلالية، تتمتع نساء تركيا بالحرية القانونية ذاتها التي يتمتع بها الرجال، كما لا يجبرهن أحد على تغطية رؤوسهن» .

بالطبع لا أحد يستطيع أن يعترض على ملابس أو زي امرأة سواء كانت محجبة أو منتقبة أو سافرة، إلا فيما ندر، لكن المجتمع القروي لديه الكثير من العادات والتقاليد الموجودة في مجتمعاتنا العربية.

هناك مقولة فرنسية تقول «إنه عنيد كالأتراك» وذلك في وصفهم لشخص فرنسي عنيد، تراها المؤلفة ليست من العناد لكن من علامات صعوبة المراس الحزم والانضباط، وأنهم يهتمون بالأغراب، يتابعونك، لا يفوتهم شيء مما تفعله، لكنهم ليسوا جواسيس للشرطة، بل يهتمون بك لأنهم اعتادوا على ذلك.

أما اهتمام الأتراك بالزهور فحدث ولا حرج «يعشق الأتراك الزهور، وهذه العاطفة منتشرة على الصعيد الوطني، فتجد نقوش الزهور على كل الستائر وأغطية رأس السيدات وأباريق الشاي، ويقضي باعة الأزهار ساعات في صنع أكاليل كبيرة مزركشة لحفلات الزفاف، ويصنع الأتراك باقات مركبة من أزهار بلاستيكية تعلوها قطرات ندى صمغية اصطناعية… يضعون بتائل الأزهار فوق أطباق السلطة وينثرونها على موائد العشاء، ويستغلون الصفائح الفارغة لزيت الزيتون في زراعة الأزهار» .

لفت نظري الاهتمام الأكبر بزهرة التوليب دون الأزهار الأخرى، إذ تحتل زهرة التوليب مكانة خاصة لدى الأتراك.. طبعًا هناك الورود بشتى أنواعها من القرنفل والليلك وزهرة دوار الشمس والماغنوليا والجهنمية.. وحين يأتي الربيع تتفتح أزهار التوليب البرية، وتكتسي الأشجار باللون الأخضر.

منح الله تركيا طبيعة ساحرة بجبالها وبحارها وأنهارها وغاباتها، وبحيراتها، وأشجارها وأزهارها.. هناك المئات من أنواع الطيور في كل مكان، ورثوها من سلاطينهم الذين أمروا ببناء بيوت حجرية للطيور في الجدران الخارجية للمساجد.

أما قدسية المياه فحدث ولا حرج، تمتد سبل المياه العامة للشرب المنتشرة في المدن، و أعذب الينابيع المتدفقة الممتدة في المدن الجبلية والشوارع.. سبيل الماء عند الأتراك من أفضل وأتقى الأعمال الدينية.

يوقفون سياراتهم بجوار الينابيع لملء زجاجات وحافظات المياه منها، إنه الانتماء إلى الأرض وزرعها وينابيعها

الشاعر التركي الشعبي «عاشق فيسيل» يقول في قصيدته « تراب الأرض» :

« حبيبتي المخلصة هي الأرض

رغم أنني جرحتها بمعولي ومجرفتي

ابتسمت لي وأهدتني ورودًا حمراء

حبيبتي المُخلصة هي الأرض» .