مقالات

موسيقى ممنوعة في إسرائيل! (2-2)

بقلم : سامي كمال الدين

ذكرنا في المقال السابق دور ريتشارد شتراوس في أوبرا هتلر وقربه منه، ومنع أوبرا المرأة الصامتة له بعد إجازة عرضها لأن كاتب النص يهودي، وهو الكاتب العظيم ستيفان تسفايج، وإجبار شتراوس على الاستقالة لكتابة رأيه في هتلر ونظام حكمه في رسالة خاصة وقعت في أيدي الجستابو، لكن ما زالت إسرائيل تمنع تداول موسيقاه لأنه كان مقربًا من هتلر.

تتهم ريتشارد فاجنر أيضًا بأنه معاد للسامية وتمنع موسيقاه، السبب لديهم أن هتلر قال إنه ملهمه والموسيقار المفضل لديه، وإنه استلهم منه ما قام به من جرائم في الخلاص من الاسرائيليين، الغريب أن هتلر لم ير فاجنر ولا قابله طوال حياته، ذلك لأن هتلر ولد بعد وفاة فاجنر بسنوات ست، وحكم ألمانيا بعد وفاة فاجنر بخمسين عامًا!
لم يكن كافيًا أن تتم إدانة فاجنر لأن القاتل الأكثر حقارة وإجرامًا عبر التاريخ والذي قتل ملايين البشر ممارسًا جنون السلطة والديكتاتورية والاستبداد كان معجبًا به ويراه أعظم موسيقي في التاريخ، ولكنْ هناك أسباب أخرى.
ريتشارد فاجنر شاعر وكاتب وموسيقار تتناول موسيقاه النفس البشرية وعوالمها المحيرة، كما أنه فيلسوف الموسيقى حيث تحتوي مقطوعاته على أفكار حول القدر واليقين والأبدية، وهذا طبيعي من شخص تتلمذ على يد الفيلسوف شوبنهاور وكان قريبًا من نيتشة، وربما أثرت فيه فلسفة شوبنهاور التشاؤمية، حيث كان في موسيقى فاجنر دعوة لاستباحة المجتمع وتحريض على الكراهية وفيها دعوة للموت أو الانتحار والخلاص من العالم وهو نفس الذي آمن به أدولف هتلر وطبقه في قتل الملايين من البشر الأبرياء، كما أنها تحتوي على جنون العظمة الذي كان هتلر مصابًا به،
بل حتى بعد انتحار هتلر ظل فاجنر حاضرًا معه ذلك أن «موسيقى الجنازة» لفاجنر عزفت في جنازة هتلر!
السبب الآخر أن فاجنر كان يمقت اليهود ويحرض عليهم، على الرغم من أنه كان محاطًا بهم ويعيش بينهم في ألمانيا، ألف كتيبًا صغيرًا عنونه ب «عن اليهودية في الموسيقى»، تحدث فيه عن دور اليهود في الموسيقى بألمانيا، تعامل مع تجربتهم الموسيقية بتعال ونظرة دونية موحيًا أنهم غير مبدعين ولا يصلحون لتقديم فن راق، بل رأى فيهم خطرًا على الفن، ذلك أن اليهودي -حسب قوله- يحول كل شيء إلى سلعة ويتاجر فيه حتى لو كان فنًا وموسيقى.
الكاتب أليكس روس له رأي آخر مختلف «إذا سألت الشخص العادي عن فاجنر، فسوف تسمع أنه فضولي، عصبي، وأي شيء يصدر عنه بمثابة ضوضاء عالية، وأنه كان الملحن المفضل لهتلر». ويضيف: «لا يمكن تلخيص الفنان الذي أطلق خيال بودلير، مالارميه، بروست، جويس، مان، كاثير، كاندينسكي، إيزادورا دونكان، آيزنشتاين، ونيتشه، إضافة إلى مئات المبدعين. نعم، كانت لديه آراء متطرفة، لكنه كان أيضًا سيد اللحظات الإنسانية الداخلية». ويضيف أنه يجب الأخذ بالاعتبار عداء فاجنر لليهود في عصره وبيئته ككل حيث كان العداء لهم في أشده.
تخيل حتى ديمتري أوتكين الضابط القائد السابق للقوات الخاصة في المخابرات العسكرية الروسية، مؤسس مجموعة فاجنر، شركة شبه عسكرية اتخذ لها هذا الاسم من اسم الموسيقار ريخارد فاجنر لأن هتلر كان يراه موسيقاره المفضل!
في حالات كثيرة من الصعب الفصل بين الفنان وإبداعه، لكن في بلادنا العربية سرعان ما ننسى الموقف السياسي ونظل مع أعمال الفنان الإبداعية، لكن إسرائيل أبت ألا تنسى فاجنر فمنعت أعماله داخل إسرائيل هو وشتراوس!
سامي كمال الدين
جريدة الراية
الخميس, 1 فبراير, 2024