موسيقى ممنوعة في إسرائيل!

بقلم: سامي كمال الدين
اعتذرت هيئة الإذاعة الإسرائيلية عن مقطع موسيقي من مقطوعة غسق الآلهة لريتشارد فاجنر بثته محطة صوت الموسيقى.
علقت المتحدثة باسم «كان»: «يرجع ذلك إلى تفهم الألم الذي قد تولده إذاعة هذه الأعمال بين الناجين من الهولوكوست من بين مستمعينا».
إسرائيل تمنع موسيقى شتراوس أيضًا -واحد من أعظم أعاظم الموسيقيين الذين أنجبهم تاريخ الفن- بحجة أنه كان موظفًا في إحدى الفرق الموسيقية أثناء حكم هتلر، كما منعت موسيقى فاجنر وتحظرها تمامًا بحجة أنها كانت مصدر الإلهام لأدولف هتلر، لا يوجد نص قانون داخل إسرائيل بذلك، لكن هذه الموسيقى تصل إلى درجة التحريم في المسارح والحفلات!
ربما لا يعرف الإسرائيليون أن آخر عمل أوبرالي لشتراوس ألفه يهودي.
عانى ستيفان تسفايج اليهودي النمساوي -لا توجد لغة في العالم لم يترجم له كتاب فيها من مؤلفاته- من لعنة أدولف هتلر الذي منع أعماله وأحرقت كما حدث مع اليهود الذين كان يراهم في مرتبة أقل من مرتبة البشر، وبسبب تسفايج وقفت ألمانيا على رجل واحتاج كل القيادات إلى قرار يخرج من فيلا بيرشتسجادن حيث يعيش هتلر.
كان ريتشارد شتراوس أشهر مؤلف موسيقى في ألمانيا، يأتي في نهاية السلالة الموسيقية التي ينتمي إليها بيتهوفن، برامز، هاندل، باخ، طلب من ستيفان تسفايج كتابة نص أوبرا له، فاقترح عليه سفايج نص «المرأة الصامتة» للشاعر الإنجليزي بن جونسون ليكون الموضوع الذي تدور حوله هذه الأوبرا، في الوقت الذي انتهى فيه شتراوس وتسفايج من تلحين وتوزيع أوبرا المرأة الصامتة على الأوركسترا في يناير 1933 تولى هتلر السلطة، وأصدر بعد عدة أسابيع قرارًا يقضي بعدم إخراج أي عمل مسرحي كاتبه لا ينتمي إلى الجنس الآري، ومنع أي عمل شارك فيه شخص يهودي!
في هذا الوقت قابل شتراوس هتلر وتقرب من رجال نظام الحكم خاصة غوبلز وغورينغ وترأس حجرة الموسيقى النازية، وكان هتلر دائم التكريم له، وفي أغلب السهرات والحفلات التي أقامها هتلر في فيلا بيرشتسجادن كانت أغاني وموسيقى شتراوس حاضرة دائمًا مع موسيقى فاجنر.
شتراوس دائما مع أصحاب السلطة، قبل أوركسترا النازي كان قائد أوركسترا إمبراطور النمسا في فيينا، وقدم تنازلات كبيرة لهتلر وهو حانق عليه، كمان كان يحاول بتقربه أن يجعل النازيين يغضون الطرف عما يرونه جرائم من وجهة نظرهم، منها أن ابن شتراوس تزوج من امرأة يهودية، وشتراوس تعاون مع كتاب يهود قبل ذلك في عدد من أعماله، كما أن ناشره يهودي، لذا خشي أن يحرم من أحفاده وأن يطردوهم من المدارس كما طرد أطفال اليهود ووصفوا بأنهم الحثالة الذين يلوثون مدارس الآريين!
فوجئ النازيون بأن كاتب يهودي -تسفايج- سيلوث مبنى الأوبرا، قرروا منع الأوبرا التي كتبها، لكن قطعة البيانو مع موسيقى الأوبرا مع كل النصوص تم طباعتها ووزعت والأزياء اكتملت تمامًا حيث جهزها مسرح البلاط في درسدن ووزعت الأدوار على الممثلين وبات العمل جاهزًا للعرض، لكن وجود يهودي فيه أربكهم جميعًا في الهيئات السياسية والفنية داخل جهاز الدولة ولم يستطع جوبلز أو غورينغ اتخاذ قرار الموافقة، فتقرر عرض الأمر على رئيس الدولة نفسه، ودارت نقاشات طويلة بين هتلر وقادة ألمانيا انتهت بأن استدعى هتلر شتراوس وقال له سأمنحك استثناء بإجازة هذا العمل، وهذا بالطبع ضد كل القوانين الألمانية، وبالفعل عرضت ألمانيا الاشتراكية أوبرا مكتوب في كل نصوصها وملصقات الدعاية الخاصة بها اسم يهودي ممنوع تداول كتبه وأعماله ليس لأنه معارض ولا لأنه سياسي أو ضد هتلر، لم يكن لتسفايج أية علاقة بالسياسة، ولكن لأنه يهودي!.
كان بإمكان شتراوس الذي تمنع إسرائيل موسيقاه وفنه أن يلعن تسفايج ويلغي الأوبرا أو يستبدل النص لكنه لم يفعل، بل عرضت الأوبرا، صحيح أنها عرضت لمرتين وتم إيقافها بعد ذلك، رغم إعلان جميع المسارح في ميونيخ، برلين، هامبورج، فرانكفورت، أنها ستعرض الأوبرا على مسارحها، بل وقدم شتراوس استقالته من رئاسة حجرة موسيقى الرايخ.
سبب الاستقالة رسالة كتبها شتراوس إلى تسفايج، لكنها وقعت في يد الجستابو، تم استدعاء شتراوس ومواجهته بما فيها، كان فيها رأيه في حكم هتلر، طلبوا منه الاستقالة فورًا وتم إيقاف الأوبرا.
أما فاجنر الذي تمنع موسيقاه في إسرائيل ويوصف بأنه من المعادين للسامية وأنه ألهم هتلر، وأنه الموسيقي المفضل له، فسوف تندهش حين تعرف أنه مات قبل أن يولد هتلر بست سنوات، وأن هتلر وصل للحكم بعد موت فاجنر بخمسين عامًا، فلماذا تمنع موسيقاه في إسرائيل؟، لهذا قصة!
سامي كمال الدين
جريدة الراية
الأحد, 28 يناير, 2024