مقالات

100 عام على ميلاد محمد حسنين هيكل

لو قدّر الله المدّ في أنفاس محمّد حسنين هيكل لرأيناه يحتفل بعد شهرين فقط ببلوغه المائة عام، بعد أن كان سبقه إلى ذلك «صديقه اللدود» هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي السابق المولود في نفس السنة (1923). كانت تلك ستكون بالتأكيد مناسبة تنطلق فيها، من جديد وكالعادة، ألسنة الإشادة بالرجل دون تحفظ وألسنة القدح دون تردد.

ولأن هذا الصحافي والكاتب الكبير الذي رحل عن عالمنا قبل 7 سنوات قد شغل الناس جميعا حيّا وميتا، داخل دائرة صنع القرار في مصر وخارجها، فقد صدر مؤخرا كتاب للصحافي المصري سامي كمال الدين بعنوان «أحاديث مع هيكل» تناول فيه «إيجابيات وسلبيات هيكل وقدم كذلك أحاديث صحافية أجريت معه وتنشر لأول مرة بين دفّتي كتاب».

ميزة الكتاب أن صاحبه، الذي تمتع بمنحة لدراسة الإعلام في بريطانيا من مؤسسة هيكل مع عدد محدود من الصحافيين نجحوا في اختبارات عدة تقدم إليها المئات، استطاع رغم إعجابه بهيكل وامتنانه له أن ينظر إليه بقدر كبير من التجرّد الذي لم يحجب عيوب الرجل مع الاعتراف بخصاله، وكلاهما لا يغبن الرجل حقه، كأبرز صحافي في القرن العشرين بلا منازع، جعل أنتوني ناتنغ وزير الدولة البريطاني الأسبق للشؤون الخارجية يقول عنه نهاية 1978 «عندما كان هيكل قريبا من القمة، كان الكل يهتم بما يعرفه (..) وعندما ابتعد عنها تحوّل اهتمام الكل إلى ما يفكّر به».

يقول كمال الدين عن كتابه، الصادر عن «دار يلّدز للنشر» في إسطنبول، إنه تناول «التجربة السياسية والصحافية للكاتب الراحل محمّد حسنين هيكل بإيجابياتها وسلبياتها، وقت أن كانت الصحافة صحافة والسياسة سياسة، ووقت أن كان مثقف السلطة بحجم هيكل وأحمد بهاء الدين ومصطفى أمين ومحمد التابعي أستاذ هيكل، وليس بوقا للسلطة كما نرى الكثيرين الآن». الحرص على الإنصاف في تناول سيرة هيكل نادر ومحمود، وكنت أنا نفسي حريصا عليه من خلال معرفتي بالراحل لسنوات ولقاءاتي به، على الشاشة وخارجها، حيث لم أشأ وضعه في مرتبة «القديّس» كما يراه مريدوه ومريدو الرئيس جمال عبد الناصر، ولا في صورة «الشيطان» كما يصرّ على تصويره باغضوه وباغضو صاحبه.

محمد كريشان
جريدة القدس العربي
4 - يوليو - 2023